رئيس الوزراء يتقدم في دعم الحكم الذاتي ونائبته تبتعد في مساندة الطرح الانفصالي
يبدو أن الصيغة التي اعتمدتها الحكومة الإسبانية، في الإعلان المشترك الذي تلا أشغال الدورة الـ13 للاجتماع رفيع المستوى مع الحكومة المغربية، الذي احتضنته مدريد اليوم الخميس، سيكون له ما بعده داخل التحالف الحكومي اليساري المكون من الحزب الاشتراكي العمالي، الذي يقوده رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وائتلاف "سومار" الذي تقوده النائبة الثانية لرئيس الوزراء يولاندا دياز.
والثابت، من خلال ما يتم الإعلان عنه من مواقف رسمية على الأقل، أن الفريقين يتباعدان عن بعضهما أكثر فأكثر كلما برزت مؤشرات اقتراب الملف من نقطة الحسم، فدياز واجهت إعلان الحكومة الإسبانية دعمها لقرار مجلس الأمن رقم 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025، برسالة تصعيد قالت فيها "لن نتخلى عن سنتيمتر واحد من الصحراء"، بصيغة تنقل الملف من قضية سياسية إلى مسألة شخصية.
وفي كلمة لها عبر مقطع فيديو نشرت مضامينه القناة الإسبانية السادسة، قالت دياث، بالتزامن مع أشغال القمة رفيعة المستوى، "اليوم يُعقد في بلدنا اجتماع رفيع المستوى مع المغرب، ولنقُلها بوضوح، لن نتنازل عن سنتيمتر واحد من أرض الصحراء"، وتابعت ""اليوم ودائما، عاشت الصحراء حرة"، مستعينة أيضا بكلام صادر عن شخصيات انفصالية.
وبالإضافة إلى كونها النائبة الثانية لرئيس الوزراء، تشغل يولاندا دياز منصب وزيرة الشغل والاقتصاد الاجتماعي، أي أنها مكلف بقطاع يدخل في صميم الاهتمامات المشتركة بين الرباط ومدريد، لكنها غابت عن استقبال رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش وعن الاجتماعات الوزارية ضمن القمة، كما غاب كل وزراء تحالف "سومار".
ويمكن استنتاج أن هذا الغياب مرتبط أساساً بملف الصحراء، فالإعلان المشترك الذي تلا اجتماع اليوم، اعتبر أن القرار 2797 الذي صادق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2025، والذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق لتسوية قضية الصحراء، في حين أن الاتلاف الذي يضم أحزاب اليسار الراديكالي، يدعم طرح جبهة "البوليساريو" الانفصالية.
وجددت إسبانيا، ضمن الوثيقة، التأكيد على الموقف الذي عبرت عنه في الإعلان المشترك بتاريخ 7 أبريل 2022 بين رئيس الوزراء بيدرو سانشيز والملك محمد السادس، كما عبرت عن "ارتياحها" بشأن التطور الأممي الأخير حول قضية الصحراء، والذي يدعم "بشكل كامل الجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي لتسهيل وقيادة المفاوضات بالاعتماد على مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب".
وفي النظام السياسي الإسباني، يتولى رئيس الوزراء الصلاحيات المرتبطة بالعلاقات الخارجية، وهو المجال الذي أبعد عنه سانشيز حلفاءه من أقصى اليسار، وواضعا على خوسي مانويل ألباريس على رأس الدبلوماسية منذ يوليوز من سنة 2021، وهو المنتمي بدوره للحزب الاشتراكي العمالي، ولعب دورا مركزيا في إنهاء الأزمة مع المغرب سنة 2022 ودفع مدريد لتبني موقف غير مسبوق يدعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية.
وأغلب الملفات ذات الارتباط بالمغرب، وضعها سانشيز في يد وزراء من حزبه أو غير منتمين لكنهم مقربون منه، مثل وزارة الداخلية التي يوجد على رأسها فرناندو غراندي مارلاسكا، ووزارة الفلاحة والصيد البحري التي يقودها الاشتراكي لويس بلاناس، الذي مارس ضغطا علنيا على المفوضية الأوروبية لاعتماد اتفاقات جديدة مع المغرب تشمل أراضي الصحراء.
ومع ذلك، فإن وجود اليسار الراديكالي ضمن حكومتي سانشيز الثانية والثالثة، ممثلين بـ"أونيداس بوديموس" و"سومار" تواليا، يُبقي على حالة التباعد مستمرة، بشكل جزئي، بين الرباط ومدريد، بخصوص ملف الصحراء، ففي 2022 و2024 حينما توجه رئيس الوزراء الإسباني إلى الرباط، لم يرافقه الوزراء الداعمون لـ"البوليساريو"، كما غابوا أيضا عن الاجتماعين رفيعي المستوى في 2023 و2025.
ولا يبدو أن هذا الوضع سينتهي قريبا، إذ رغم أن أحدث استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت، قبل الانتخابات التشريعية لسنة 2027، والتي تعود لنونبر الماضي، تكشف تقدم الحزب الاشتراكي العمالي بـ32,6 في المائة، بفارق كبير عن الحزب الشعبي صاحب الـ22,4 في المائة و"فوكس" صاحب الـ18,8 في المائة، فإنه سيظل يحتاج للتحالف مع "سومار" المتوقع حصوله على 7,1 في المائة من الأصوات، إذ من غير المرجح توفره منفردا على الأغلبية المطلقة.
وعلى الرغم من أن هذا الوضع يبدو غير طبيعي، إلا أن سانشيز ومعه وزير الخارجية ألباريس، استطاعا التعايش معه، والاستمرار في دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء باعتباره موقفا رسميا للدولة الإسبانية، كما أن دعم "سومار" لخيار "استفتاء تقرير المصير" في الصحراء، حافظ على شعرة معاوية بخصوص العلاقة مع الجزائر التي يُرتقب أن يزور رئيسها، عبد المجيد تبون، مدريد، قبل متم العام الجاري.




